لقد ولدنا جميعاً أحراراً ومتساوين، فيما الحدود والانقسامات والعداوات التي نراها في كل مكان حولنا هي من صنع أيدينا.
تذكرنا الصحف كل يوم أن دول الخليج العربي في حالة من التوتر والعداء مع جمهورية إيران الإسلامية. كيف يمكن أن يكون هذا؟
المواطن الإيراني العادي لا يختلف جوهريا عن المواطن السعودي أو البحريني، نحن جميعا مسلمون ولدينا ذات الرغبات والاحتياجات. أريد لأولادي وأحفادي أن يعيشوا في عالم آمن ومسالم. ولقد عايشت خلال حياتي وعملي إيرانيين لديهم أولويات مماثلة.
لم ألتق أي شخص في أنحاء الوطن العربي يعتقد أن العرب يجب أن يكون لديهم مطامع بالسيطرة على إيران واستغلال ثرواتها الهائلة، وبالمقابل سأكون مندهشا إذا وجدت أي إيراني عادي يعتقد أن لديه الحق في السيطرة على مناطق في اليمن أو لبنان مثلا، حتى ولو كان هناك عدد قليل من الشخصيات غير السوية في القيادة الإيرانية تعتقد أنه يجب أن يكون لديها نفوذ من نوع أو أخر في البحرين!
الوطن والعربي وإيران ليسا بحاجة للتنافس على الموارد الطبيعية، فقد أنعم الله على كل منهما بثروة ضخمة تحت الأرض وموارد هائلة من رأس المال البشري، وعندما ننظر في الوضع الراهن نجد أن التوترات التي نعيشها تبدو غير منطقية وستهزم نفسها بنفسها.
إذا كان لنا أن نفكر بالوضع في دول مثل اليمن وسوريا على أنها صراع جيوسياسي بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي فسنصل إلى نتيجة حتمية هي أن كلا الجانبين سوف يخسر، لأن هذه الدول دمرت أمام أعيننا.
اليمن واحدة من أفقر البلدان في العالم، واحتياطيات النفط لا تذكر، واليمنيون يعتمدون بشكل كبير على استيراد الغذاء، وكانت تكلفة تهور قادة إيران لإحراز موطئ قدم على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية كارثية، وهم مستمرون في تهورهم في العراق ولبنان وسوريا ووصلت تدخلاتهم إلى مصر والمغرب، ولا أحد يعلم أين يمكن أن تنتهي مطامعهم في طريقهم لتحرير القدس كما يدعون.
إن سعي الولايات المتحدة الأمريكية لكبح جماح الطموحات النووية العسكرية الإيرانية يمكن أن يكون شيئا جيدا، ولكن توقيته مريب، فالوقت الحالي مناسب فقط لزيادة الضغط على قادة إيران لوقف دعمهم للمذابح الجماعية في سوريا واليمن وغيرها، وليس مكافئتهم باتفاق مشكوك فيه يخفف أو يرفع العقوبات عنهم ويمكِّنهم من جني مليارات الدولارات.
لقد كان العالم الإسلامي دائما على أشده عندما توحد الشعبان العربي والفارسي، وظهر في فترات الاتحاد تلك كوكبة من أعظم شخصيات التاريخ الإسلامي، حيث كان العلماء والفلاسفة مثل ابن سينا وعمر الخيام والفارابي والرازي والبيروني والطوسي والكندي، حينها كان التراث مختلطا والكتابة باللغتين العربية والفارسية.
لكن، الثورة الإيرانية الاسلامية عام 1979 كانت كارثة على المنطقة وعلى إيران نفسها، وأيادي قادة تلك الثورة تلطخت بدماء الشعب الإيراني قبل أن تتلطخ بدماء العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين وغيرهم من الشعوب الإسلامية ذاتها.
من الخطأ القول إن التوترات الحالية هي بين الإيرانيين والعرب العاديين، أو بين السنة والشيعة، فمعظم الإيرانيين يكرهون قيادتهم، والتغيير في إيران سيأتي من الداخل، وتلوح بوادره بين الفترة والأخرى دون أن يتمكن من الوصول لنتائجه بسبب الآلة القمعية الرهيبة للسلطات الإيرانية، وهنا يجب أن نعزز من تضامنا مع الإيرانيين الذين عانوا من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العديد من القوميات والطوائف: الأذريين والأرمن والأكراد والعرب والبلوش والبهائيين والسنة.
يجب الانتباه إلى أولئك الذين يستفيدون من إبقاء هذه المنطقة في حالة من الصراع وعدم الاستقرار. مجموعة حرب العراق عام 2003 في تحريكها لمسار الأحداث أوصلتنا للوضع المؤسف الذي نحن فيه اليوم، وفتحت الباب أمام التدخل الإيراني، وأغرقت المنطقة بنزاعات طائفية وعرقية وسياسية تمزق هذه المنطقة ولا تتيح مجالا لتغلب طرف على آخر.
عندما يجبرنا الصراع على انفاق مليارات الدولارات على الأسلحة بدلا من استثمار هذه الأموال في مجالات التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية تصبح الصورة لدينا أكثر وضوحا فيما يتعلق بمن يستفيد من الوضع الحالي من الفوضى وانعدام الأمن.
قوتنا تكمن في وحدتنا واعترافنا بالمصالح المشتركة، علينا فقط النظر إلى الصورة الأكبر، وفهم الأسباب الكامنة وراء ضعفنا وانقسامنا، وعندما نأخذ زمام المبادرة بأنفسنا يمكننا أن نخطو أولى خطواتنا على طريق طي صفحة هذا الفصل الصعب من تاريخنا.
أكرم مكناس