يطرح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد منهجاً عميقاً ومتكاملاً في “الحرب على الإرهاب”، ومواجهة ودحر أولئك الذين يرتكبون الفظائع باسم الدين.
في خطابه الشهير على نطاق واسع في حوار المنامة العام الماضي، وفي مقاله في صحيفة ديلي تلغراف مؤخراً، أكد الأمير سلمان الحاجة إلى فهم حقيقي للتحدي الذي نواجهه قبل تطلعنا إلى إلحاق الهزيمة الكاملة بما يسمى “الدولة الإسلامية” وأولئك الذين يستخدمون تبريرات دينية لارتكاب أعمال بربرية وحشية.
يشدد ولي العهد على أننا في حرب ضد ثيوقراطيين يدعون أنهم مسلمين، وبالنسبة لنا، لا يمكن أن نقر بأنهم مسلمين أبداً، ويمكننا أن نميز بوضوح بين الغالبية العظمى من الذين يختارون الحياة والرغبة في جعل العالم مكانا أفضل للعيش لنا ولأحبائنا، وأولئك الذين يسعون إلى الموت.
الثيوقراطيين الذين يشير إليهم الأمير سلمان هم ثلة من المهوسسين بالقتل، ولا يمكن للعقل البشري استعياب طريقة قلتهم لضحاياهم بهذه الطرق الشنيعة التي لم تعهدها الإنسانية من قبل، ومقاطع الفيديو التي يصوِّرونها بطريقة سينمائية لأعمالهم الإجرامية تُظهر بشكل لا لَبس فيه أنهم يريدون زرع أقصى قدر ممكن من الرعب في قلوب الناس حول العالم، وإيصال رسالة مفادها “تعال إلى عالم الموت، حيث نترك الجثث مقطعة الأوصال معلقة في الشوارع، وإذا تبين أنك جدير بالانضمام لنا فسنمنحك شرف أن تصبح انتحارياً”.
الأمير سلمان محق تماما في قوله إن الدين يجب أن يكون منفصلاً عن السياسة، وكل المحاولات التي جرت للمزج بين الاثنين باءت بالفشل ولم تسفر إلا عن المزيد من الانقسامات والصراعات، لقد قال الأمير سلمان بوضوح: “لا يمكن لأحد ما استخدام سلطته الدينية في إزهاق أرواح الناس لتحقيق مآرب سياسية”.
وهذا هو بالضبط أساس الفشل في ولاية الفقيه في إيران وفي دولة أبو بكر البغدادي الإسلامية، إنهم يزعمون أنهم يحكمون باسم الدين، ولكنهما في الحقيقة يفرضون أيديولوجية فردية متطرفة على الناس تقود في نهاية المطاف إلى ارتكاب عمليات قتل وتطهير ضد جميع أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف، منهجهم قائم على تخويف الناس من الموت، فيما تحقيق الاستقرار والرفاهية للمواطنين هو المعايير الرئيسية لنجاح القادة السياسيين.
في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وسمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وسمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، لدينا في البحرين رؤية سياسية معاكسة تماما لرؤية رجال الدين في “الدولة الإسلامية”، ونقتبس حرفياً مما جاء في مقال الأمير سلمان في ديلي تلغراف: “هذه الجماعات تريد السيطرة على عقول الناس والتحكم بهم هنا في الدنيا والآخرة .وهم يعزلون أنفسهم ولا يضعون أي اعتبار للعقود الاجتماعية التي تأسست بيننا كمجتمعات. إنهم أناس يضطهدون المرأة ويرتكبون المجازر لتصفية من يخالفهم ولا يوافق أو ينتمي إلى أيديولوجياتهم المنحرفة، والأسوأ من ذلك أنهم يهيمنون على أتباعهم بقوة الفتاوى الدينية، ساعين بذلك إلى تقييد المنطق والعقلانية في محيطهم”.
لقد احتفلنا قبل أيام بالذكرى الرابعة عشرة لميثاق العمل الوطني الذي أطلقه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وأقره البحرينيون بالأغلبية الساحقة، وهو ميثاق يكرس مبدأ المساوات بين الجميع بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو عرقهم، ويحقق الحرية والعدالة الاجتماعية في ظل ملكية دستورية تتعزز باستمرار في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كان أداء الجمعيات السياسية الإسلامية سيئا للغاية، وفضَّل المواطنون البحرينيون اختيار السياسات براغماتية على الأيديولوجيات الدينية، فالناس تريد أن ترى مستوى معيشتها يتحسن، وأن ترى البرلمانيين يعطون الأولوية لمصالح المواطنين وليس خدمة إيدلوجيات دينية، وتعزيز بناء نظام سياسي يحترم حقوقهم وحرياتهم ويحميها.
إن أحد أهم الاسباب التي تدعوني للفخر بأني أعيش وأعمل واربط مصيري بالبحرين هو أن هذا البلد، بلدي، كان على الدوام نموذجاً للتسامح والتعايش والسلام، وليس من اهتماماتي أبداً معرفة ما إذا كان الناس الذين أعيش بينهم وأعمل معهم جنبا إلى جنب مسلمين أو مسيحيين أو هندوس.
ونحن هنا في البحرين نقيِّم الناس بقدر خدمتهم لوطنهم، وكفاءتهم وانتاجيتهم واستمثارهم للفرص، فالحياة قصيرة جدا وعلينا الاستفادة القصوى من كل يوم فيها.
من خلال احتفالاتها بفظائعها العنيفة لن تستطيع داعش أن تجذب سوى أولئك المهووسين بالعنف والرغبة في جلب الموت لأنفسهم وللآخرين، وربما يكون في مصلحة مجتمعاتنا التخلص منهم، بل نحن نأمل أن يذهب هؤلاء القتلة والمغتصبين والمجرمين إلى العراق وسوريا وينالون وفاة وحشية سريعية يبحثون عنها.
فيما نحن سنبقى نعمل مع الذين يظهرون فاعلية كبيرة في رفضهم لداعش وجميع التنظيمات المتطرفة، ونسعى لنعيش حياة نحقق فيها أفضل ما في وسعنا لمستقبل مجتمعنا، ونغرس الأمل وحب الحياة في روح شبابنا، ونحصَّنهم من الأفكار المتطرفة الهدَّامة.
يجب علينا جميعا أن نعمل دائما على برهنة أن الإسلام هو دين التسامح، وأن نعزز ريادة النموذج البحرنيي عالميا على اعتبار البحرين كانت وستبقى على الدوام ملاذاً للتعايش السلمي من خلال عدم التمييز ضد الآخرين على أساس المذهب أو الدين أو العرق.
دعونا ننحاز للحياة ونحتفي بها وليس للموت.
أكرم مكناس