عمل التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن إلى تحول ميزان القوى بشكل حاسم لصالح الشرعية، مع التقليل من المعاناة الإنسانية ما أمكن، في وقت بدا فيه من الواضح بشكل جلي أنه ليس لدى السعودية أية طموحات للهيمنة الإقليمية أو التدخل في اليمن أو الدول الأخرى. كما أنها لا تسعى لفرض عقيدة بعينها أو طريقة حياة على أحد.
ولقد بدا واضحا أن تشكيل حلف عربي بقيادة سعودية للتدخل عسكريا في اليمن كان ضرورة قصوى بعد استنفاذ جميع الخيارات الأخرى، وهذا مدعاة للاحترام الكبير، كما أنه مدعاة للفخر خاصة وأن العرب أثبتوا مرة أخرى قدرتهم على التجمع وخوض معاركهم الخاصة عندما يجب أن يفعلوا ذلك.
لقد تسنَّت لي فرصة معايشة تحول المملكة العربية السعودية إلى قوة عالمية، لكن هذا التحول لم ترافقه مظاهر الغطرسة ونوايا فرض الهيمنة التي تلازم صعود القوى الكبرى عادةً، وبقيت السعودية مثالا نادرا على الدولة التي تملك القوة العظمى والنفوذ العالمي، وتحترم الدول الأخرى وتحظى باحترام دولي في المقابل، خاصة وأنها اختطت لنفسها نمط حياة مميز وآمن تركن إليه جميع مكونات الدولة من قيادة وشعب ومؤسسات، ولكن دون أن تسعى لفرض هذا النمط على الآخرين.
لقد قدَّمت المملكة العربية السعودية دعما سخياً لدول عربية مرت بفترات من الصراع، وساعدتها على تجاوز تلك الفترات والعودة مرة أخرى إلى نهج البناء والتطور. مثال على ذلك مساعدتها للبنان في الخروج من الحرب الأهلية عقب توقيع “اتفاق الطائف”، وما تلا ذلك من ازدهار هائل عاشه لبنان في مختلف القطاعات، إلا أن تدخل دولاً إقليمية أخرى في الشأن اللبناني خنق تدريجيا هذا التقدم وأعاد البلاد إلى شبح الحرب الطائفية، كما حظيت بالدعم السعودي المفضي إلى الاستقرار والازدهار دولا كثيرة من بينها مصر والأردن والمغرب.
وبالمثل، فإن شعب البحرين لديه الكثير من الأسباب ليكون ممتناً للملكة العربية السعودية التي وقفت معنا على الدام جنبا إلى جنب، وخاصة إبان أحداث فبراير ومارس 2011 والدعم الذي كفل للبحرين تجاوز التحديات والعودة إلى طريق الازدهار مرة أخرى.
في هذه الأثناء أثبت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تمثله للقيم والنهج الأصيل الذي ضمن على الدوام استقرار المملكة العربية السعودية والمنطقة معا، وأظهر مقدرة بارعة متأصلة في بيت الحكم السعودي على مواجهة التحديات بعزم وحسم.
إن وضع قيادات شابة متمرِّسة في العمل السياسي والعسكري والأمني في أعلى المناصب الحساسة بالدولة السعودية يظهر مرونة نظام الحكم في المملكة والقدرة الكبيرة على مواصلة التحرك إلى الأمام، ويضمن انسيابية انتقال السلطات داخل البيت السعودي بهدوء يطمأن الشعب السعودي وشعوب المنطقة التي تنشد الأمن والاستقرار، ويضمن تعزيز المملكة لحضورها الإقليمي على المدى البعيد.
اتباع التقاليد الأصيلة في نقل السلطات وأخذ البيعة لا يعني أن السعودية تأسر نفسها داخل أمجاد الماضي فقط، فهي في ذات الوقت أكثر بلد في العالم ينفق على التعليم حتى تجاوز عدد المبتعثين والمبتعثات الـ 150 ألفا موزعين على أكثر من 30 دولة، كما أعلنت المملكة مؤخرا عن أكبر ميزانية في تاريخها وخصصت الجزء الأكبر منها للاستثمار في البنية التحتية والابتكار التكنولوجي، وهذا كله يؤكد أن السعودية تسير بخطى متسارعة نحو مستقبل مزدهر لشعبها.
لقد بات واضحا أن معيار المصلحة الوطنية يأتي في الدرجة الأولى إسناد المناصب بمختلف مستويات الدولة السعودية، في جو يتيح لجميع فئات الشعب المشاركة بفاعلية في رسم سياسية ومستقبل المملكة، وفي هذا الإطار يأتي تعيين عادل الجبير كأول وزير خارجية لدولة خليجية من خارج العائلات الحاكمة كرسالة تأكيد من رأس القيادات السعودية على ضرورة أن يكون تعيين المسؤولين كبارا وصغارا على أساس الجدارة أولا وقبل أي شيء، وهذا يؤكد أن بإمكان جميع السعوديين الكفوئين رجالا ونساء الوصول إلى أعلى المستويات.
أنا لم أقل كل ما سبق من أجل المفاخرة بالمملكة العربية السعودية، لأن تلك الانجازات هي من تتحدث عن نفسها أولا، وثانيا عسى أن تستفيد دولة قريبة مجاورة من التجربة السعودية في وضع إمكانياتها الكبيرة بخدمة الأمن والاستقرار والتعايش في المنطقة وليس العكس.
ندعو الدول المتغطرسة ذات المطامع التوسعية إلى النظر في عواقب أفعالها، وإلى التصرف بطريقة أفضل تتيح لأبنائنا وأحفادنا مستقبلا أفضل، وأن يتسنى لجميع شعوب هذه المنطقة أن تتعايش سلميا وتعيش بكرامة وسعادة.
أكرم مكناس