عند الإعلان عن انضمام أكثر من أربعين دولة للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بقيادة أقوى قوة عسكرية على الكوكب، الولايات المتحدة الأمريكية، وعضوية عشر دول عربية، وتوجيه آلاف الضربات الجوية بأحدث الطائرات والقنابل الذكية على مواقع هذا التنظيم الإرهابي وفق منظومة قيادة وتحكم هي الأحدث على مستوى العالم، اعتقدنا أن هزيمة هذا التنظيم أو انكفاءه على أقل تقدير باتت قريبة جدا.
لكن الحقيقة هي أن داعش يسيطر اليوم على أكثر من 60 ألف كيلومتر مربع، ولا زال يخوض معارك كر وفر شرسة في الرمادي وبيجي وغيرها من المدن العراقية، فيما وسَّع من رقعة سيطرته داخل سوريا وأضاف مدينة تدمر مؤخرا إلى دولته التي يقول إنها “باقية وتتمدد”، لأنه، باعتقادنا يعمل وفقا لقواعد ومبادئ مختلفة جدا.
قانون نيوتن الثالث للحركة يقول إن “لكل فعل ردة مساوية له في المقدار ومعاكسة في الاتجاه”، وبإسقاط هذا القانون على “الحالة الداعشية” نصل لنتيجة مفادها أن العنف يولد العنف، والتطرف ينتج التطرف، والكراهية تثير مزيدا من الكراهية. هذه النتيجة ستجعلنا ندور في حلقة مفرغة، وصولا إلى ما يسمى بـ “توازن رعب دائم”.
في مفارقة جديدة نجد أن إرهاب تنظيم داعش يتفاقم مع ازدياد محاولات تدميره بالوسائل التقليدية المتبعة حاليا، ففي كل مرة نسمع قادة العالم يتحدثون عن تهديد داعش نجد أن هذا التنظيم ازداد أهمية على المستوى العالمي، وفي كل مرة يجري استخدام القنابل الأمريكية والمليشيات الإيرانية ضده ترتفع أصوات مؤيديه الهادفة إلى إضفاء الشرعية عليه، وفي كل مرة يوحد العالم غضبه إزاء فظائع داعش الجديدة يحصل التنظيم على دعاية جديدة، وهذا يعني أن على العالم المشغول بمحاربة داعش مراجعة وسائله التي ربما جعلت الوضع أسوأ.
لقد أسفر إطلاق العنان للمليشيات المدعومة من إيران كقوة رئيسية من المفترض أن تحرر العراق من داعش عن حملة تطهير عرقي وسط العراق، وارتكبت هذه المليشيات فظائع رهيبة دفعت بعراقيين سنة للتفكير بأن داعش هو أهون الشرين، ومرة اخرى جعلت القوة التي تم إرسالها لمواجهة داعش منه أقوى.
ومن الطبيعي ألا يترك داعش قواته عرضة للضربات الجوية، بل تغلغل بين المدنيين، واستخدم ماكينته الإعلامية ببراعة لنشر صور حقيقية أو وهمية لقتلى من الأطفال والنساء جراء تلك الضربات، وحصد المكافأة الدعائية.
وفي كل مرة تنجح غارة جوية في قتل اثنين أو ثلاثة أو خمسة من داعش يكون هناك 10 أو 15 عنصرا في التنظيم ينتظرون أخذ مكان القتلى، وعند تدمير مقر أو عربة لداعش ستكون هناك أموالا لشراء وخططا للاستيلاء على كميات من الأسلحة أكبر من تلك التي جرى تدميرها.
إن هذا يتركنا أمام حل وحيد لإضعاف داعش وهزيمته في نهاية المطاف، وهو تجفيف منابع التطرف والتجنيد والتمويل.
في وقت من الأوقات ظهر تنظيم القاعدة الذي نشر الرعب في مناطق واسعة من العالم قبل أن تتلاشى أهميته بظهور وريثه الشرعي “داعش”، وليس علينا الاعتقاد أن هزيمة داعش ستكون النهاية، وإنما من المرجح غالبا أن تكون –في حال تحققت- مرحلة مؤقتة تظهر بعدها تنظيمات مشابهة تستخدم أشكالا أكثر تقدما من الأفكار والعقائد ووسائل الاتصال والدعاية لجذب أتباع من الساخطين والمحبطين.
سنتخلص تماما أو جزئيا من لعنة التطرف العنيف فقط عندما نستطيع تربية جيل من الشباب المحصنيين ضد وسائل استقطاب أولئك الإرهابيين.
لا يمكن إنكار أننا الآن في وضع يسهل معه إقناع بعض الشباب بسهولة أن أدائهم الديني سيكون أفضل عن طريق قتل الآخرين، فيما الإسلام الحنيف بريء من ذلك، وبعيد كل البعد عن قول زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي إن “الإسلام دين سيف وليس دين سلام”.
إن فهم داعش المشبوه والمشوَّه للإسلام جعل من هذا الدين الحنيف أداة لإذلال بل وقتل غير المسلمين، وعناصر التنظيم يمعنون يوما بعد يوم في منهجهم التكفيري الذي يستبيح دماء كل من يخالفهم من غير المسلمين ومن المسلمين أنفسهم.
إن تعاليم الإسلام الذي تربينا عليها تكرس السلام والتسامح، ويتساوى أتباع هذا الدين في حبهم لبعض البعض ولغيرهم مهما اختلفوا عنهم، وهم على قدم المساواة في حبهم لله تعالى وجميع رسله، ومع ذلك، يتم أحيانا غرس هذه التعالم في أذهان الناشئة بطريقة مختلفة.
إذا اعتقد المسلمون أن غيرهم من المسلمين أو من أتباع الديانات والمذاهب الأخرى هم أقل شأنا، وتكرَّس هذا الوهم في أذهانهم، يكونون حينها على بعد خطوة واحدة من المنطق التكفيري الذي يبرر العنف ضد جميع الذين يفكرون بشكل مختلف ويمارسون شعائرهم الدينية بشكل مختلف.
فالقرآن الكريم يعلمنا أن الله تعالى خلق جميع البشر، وأنه أرسل رسوله رحمة للعالمين، فمن نحن حتى نسمح لأنفسنا بإزهاق حياة الآخرين؟!.
نحن نصبح مسلمين أفضل من خلال خدمة الإنسانية ومساعدة المحتاجين، وعندما نساعد الفقراء وضحايا الكوارث والمظلومين، حتى لو كانوا من غير المسلمين- وبهذه الطريقة نعكس تعاليم ديننا كما يجب.
لمكافحة داعش، علينا ان نكون أكثر ذكاء، فداعش ليس الإسلام، لكن فظائعه تدفع بالكثيرين حول العالم للتعصب ضد الإسلام، ولكن عندما نتمكن كمسلمين، أفرادا وجماعات، من نشر ثقافة الحب والرحمة والتسامح بشكل ممنهج سنجعل العالم يدرك معنى الإسلام الحقيقي الذي لا يمكن لفئة ضالة مهما بلغت من القوة والإجرام تشويهه، وسنهزم هذا التنظيم المسخ بأفعالنا الحميدة وأفكارنا النيرة وعقيدتنا الصحيحة.
جوهر الحل في أيدينا نحن، وأنا واثق من أننا قادرون على ذلك، وسنحتققه، وكلما أسرعنا في هذا الطريق كلما اختصرنا من حجم الآلام التي يتسبب بها داعش لغير المسلمين وللمسلمين أنفسهم، وتمكنا من بناء مستقبل افضل لنا ولأبنائنا.
أكرم مكناس